يبدو أن ألبانيا تعيش أجواء موسم سياحي واعد خلال أشهر الصيف الحالي، حيث ترسو قوارب المصطافين على شاطئ سارنده، البلدة الساحلية التي تقع في مقاطعة فلوره، جنوب البلاد، على خليج بحر مفتوح من البحر الأيوني في وسط البحر الأبيض المتوسط، شرق الطرف الشمالي من جزيرة كورفو اليونانية، مما يجعلها أحد أفضل الوجهات السياحية في ألبانيا.
وذكر تقرير نشرته شبكة البلقان الإخبارية المتخصصة في شئون شرق أوروبا وأوراسيا أن صور بلدة سارنده المنتشرة بشكل كبير على منصة
“تيك توك” تظهر أنه من الصعب العثور على مساحة حتى لوضع منشفة بين مئات المناشف الموجودة على الشاطئ الصخري، حيث أن المصطافين إما يستلقون للإسترخاء تحت أشعة الشمس أو يسبحون في مياه البحر الصافية.
وبجانب السكان المحليين الذين يتوجهون إلى شاطئ سارنده للسباحة السريعة بعد العمل، يتجه العديد من السياح من اليونان المجاورة وجيران ألبانيا في يوغوسلافيا السابقة، بل ومن دول أخرى من أوروبا الذين بدأوا يتوافدون على البلدة في الفترة الأخيرة.
وعلى الرغم من أنها لطالما كانت وجهة مشهورة بين دول أوروبا الشرقية التي تسعى لقضاء عطلة مريحة وزهيدة الثمن على الشاطئ، إلا أن ألبانيا أصبحت على نحو متزايد على رأس قائمة السياح القادمين من مناطق أبعد، نظرا لتعرضهم للضغوط الاقتصادية التي يواجهها الجميع بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة في جميع أنحاء أوروبا، حيث أصبحت شهرتها كوجهة لأصحاب الميزانية البسيطة هي الميزة الرئيسية التي تتمتع بها.
وتعرض منصة “تيك توك” الكثير من مقاطع الفيديو التي تمجد مميزات ألبانيا كوجهة لقضاء العطلات، مع التركيز على شواطئها وحاناتها زهيدة الثمن ولكنها أنيقة في نفس الوقت، مع تمتعها بالعديد من مواقع اليونسكو التراثية، لدرجة أن بعض مقاطع الفيديو تحصل على أكثر من 60 مليون مشاهدة.
ومع رفع قيود السفر الدولي التي كانت مفروضة بسبب فيروس كورونا أخيرًا موسم الصيف الحالي، وتوقع ألبانيا بالفعل انتعاشًا في السياحة لرفع اقتصادها، إلا أن حجم الإقبال عليها كان مفاجئًا.
وقال رئيس الوزراء إدي راما مؤخرًا إن ألبانيا تتوقع حاليا أن تستقبل أكثر من 4 ملايين سائح العام الجاري، مقارنة بـ2.9 مليون سائح كان متوقع سابقًا، معربا عن اعتقاده بأن بلاده لا تزال تفتقد بعض الأشياء، إلا أنها تسير على الطريق الصحيح، لتمتعها بالمطاعم الكبيرة أو وجبات الشارع الرائعة، ومدى ترحابها بالزائرين، لاسيما بعد عودة العديد من الألبان إلى البلاد بعد عملهم في إيطاليا في صناعة المواد الغذائية، مما كان له تأثيرًا إيجابيًا للغاية على قطاع السياحة.
وأظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الألباني عن شهر يونيو الماضي أن عدد الوافدين الأجانب إلى البلاد ارتفع بنسبة 45 في المئة على أساس سنوي، حيث وصل إلى 876.056 ألف زائر. كما بلغ عدد الوافدين الأجانب خلال الفترة من يناير إلى يونيو الماضيين ما يقرب من 2.6 مليون، بزيادة قدرها 51.3 في المئة على أساس سنوي.
وكانت أكبر دولة جاء منها الزوار هي كوسوفو المجاورة، حيث بلغ عددهم 394.327 زائر من إجمالي الوافدين في يونيو الماضي، تليها مقدونيا الشمالية بنحو 76.373 ألف زائر. وارتفع عدد الزوار من كلا البلدين مقارنة بالشهر نفسه من عام 2021.
ولوحظ نمو أقوى بكثير في عدد السياح الوافدين من العديد من البلدان الأخرى، حيث تضاعف عدد الزوار من اليونان وإسبانيا والمملكة المتحدة أكثر من الضعف مقارنة بشهر يونيو 2021.
وتتواصل الجهود لتطوير البنية التحتية للسياحة وجلب المزيد من الزوار إلى ألبانيا، حيث أنه لم يكن هناك سوى مطار دولي واحد قيد التشغيل حتى وقت قريب، وهو مطار الأم تيريزا الدولي في العاصمة تيرانا. إلا أنه تم افتتاح مطار كوكوس الدولي الذي تم تجديده في الصيف الماضي، وهناك خطط لبناء مطارات جديدة في النقاط السياحية الساخنة سارنده وفلورا، على الرغم من المعارضة القوية لمطار فلورا المخطط له من قبل المجموعات البيئية التي تريد نقل الموقع من منطقة الأراضي الرطبة المحمية.
وقال رئيس الوزراء الألباني إيدي راما خلال زيارة إلى مدينة كورتشي العام الماضي، إن الحكومة الألبانية تهدف إلى إنشاء أول منتجع للتزلج في البلاد في المدينة، التي شهدت بالفعل تطورًا مستمرًا في عروضها السياحية في السنوات الأخيرة، مع افتتاح العديد من الفنادق الجديدة.
وهناك مشروع آخر واعد هو ميناء دوريس السياحي الجديد، حيث يعتبر أحد أكبر استثمارات الصناعة المتعلقة بالسياحة في ألبانيا، والذي سيحل محل الميناء الصناعي القديم أمام المدينة والذي سيتم نقله في مكان آخر.
وعلى النطاق الأصغر، هناك العديد من الاستثمارات المحلية لجعل الوجهات السياحية أكثر جاذبية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، حيث يؤدي تدفق مئات الآلاف من السياح إلى إجهاد البنية التحتية للبلدات والقرى الساحلية الألبانية. كما تواجه ألبانيا حاجة ملحة للاستثمار في البنية التحتية، من النقل إلى الطاقة إلى البنية التحتية البلدية.
وتعاني ألبانيا من العديد من المشكلات الأخرى مثل قضية التخلص من النفايات، كما هو الحال في بلدان غرب البلقان الأخرى، حيث زاد إنتاج النفايات بشكل حاد في العقود الأخيرة، إلا أن البنية التحتية لإدارة النفايات أخفقت بشكل عام في مواكبة ذلك.
كما تعتبر قضية الأمان مصدر آخر للقلق آخر، حيث قُتل ثلاثة من مرتادي الشواطئ خلال الصيف الحالي عندما صدمتهم قوارب سريعة أو زلاجات مائية، والتي تنحرف بشكل خطير بالقرب من السباحين في العديد من شواطئ ألبانيا، كما أثارت وفاة فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات نتيجة إصابتها بقارب سريع في أغسطس الجاري العديد من الاحتجاجات، حيث ألقى المواطنون باللوم على عاتق سلطات الدولة لفشلها في ضمان عدم وقوع مثل هذه الحوادث.
وعلى الرغم من تلك التحديات، يعتقد العاملون في الصناعة وخبراء السياحة أن هناك إمكانات هائلة لتوسيع أنواع السياحة التي تقدمها ألبانيا بعيدًا عن العطلات التقليدية. وبصرف النظر عن مواقع التراث العالمي لليونسكو في البلاد والموجودة في بيرات وبوترينت وجيروكاسترا، هناك أيضًا إمكانات لسياحة المغامرات والوجهة الطبيعية وركوب الرمث والمشي لمسافات طويلة وركوب الخيل وأنواع أخرى من العطلات.